فصل: المدرك الخامس: أن يتضمن إثبات الصداق رفعه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.المدرك الثالث: الشرط:

وما فسخ النكاح من أجله من الشروط، فسد الصداق به تبعاً له. ولنذكر أقسام الشروط وأحكامها، وما يفسخ النكاح لأجله منها، فنقول: الشروط ثلاثة أنواع.
الأول: ما يقتضيه عقد النكاح لو لم يذكر، كشرطه أن ينفق عليها، أو يبيت عندها، أو لا يؤثر عليها، ونحو ذلك، وهذا وجوده وعدمه سيان، ولا يوقع في العقد خللاً، ولا يكره اشتراطه، ويحكم به إن ترك أو ذكر.
النوع الثاني: عكس هذا، وهو أن يكون مناقضاً لمقتضى العقد، كشرطه أن لا يقسم لها ونحوه، وهذا النوع ممنوع، وإن اشترط أدى إلى القدح في النكاح، وفسخ قبل الدخول.
واختلف في فسخه بعده على ما تقدم.
النوع الثالث: ما لا تعلق له بالعقد، فلا يقتضيه ولا ينفيه، وهذا كشرطه أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرر، أو لا يخرجها من بيتها، أو من بلدها، وهذا النوع مكروه، لكن لا يفسد النكاح، ولا يقتضي فسخه، بعد الدخول ولا قبله. وفيه قال في كتاب محمد: وكره مالك عقد النكاح على شيء من الشروط.
وقال: لقد أشرت على القاضي أن ينهي الناس عن ذلك، وأن لا يزوج الرجل إلا على دينه وأمانته، وكره ما يؤكد من الإيمان فيها. قال: وكل شرط وإن كان في العقد فلا يلزم، إلا ما كان فيه تمليك أو يمين.
فرع:
إذا شرط شيئاً من النوع الثالث ثم خالفه، فإن لم يكن علقه بيمين ولا تمليك، ولا وضعت لأجله شيئاً من صداقها، فله مخالفة الشرط بفعل ما شرط أن لا يفعله، وترك ما شرط فعله. وإن كان علق الشرط بيمين أو تمليك لزمه ذلك.
وإن كانت وضعت له شيئاً من صداقها لأجله، فإن كانت عينت مهراً ثم أسقطت بعضه للشرط رجعت به، وإن كانت إنما خففت في المهر لأجل الشرط قبل التعيين، فقيل: ترجع بما تركته. وفي الكتاب لا ترجع.
وقال علي بن زياد: ترجع إن كان ما وضعته من صداق المثل دون أن يكون من الزائد. ورواه ابن نافع.
ولو كان الشرط إنما يعود بالفساد في الصداق كجعله إلى موت أو فراق ونحوه، لجرى على الخلاف المتقدم في تعميم حكم الفسخ أو تخصيصه أو نفيه.
ولو شرط الأجل في الصداق، فقال عبد الملك: كان مالك وأصحابه يكرهون أن يكون شيء من المهر مؤخراً، وكان مالك يقول: إنما الصداق فيما مضى ناجز كله، فإن وقع منه شيء مؤخر، فلا أحب أن يطول الأجل في ذلك.
قال فضل بن سلمة: ذكر ابن المواز عن ابن القاسم في تأخير الأجل إلى السنتين والأربع. وذكر عن ابن وهب إلى السنة. ثم حكى عن ابن وهب أنه قال: لا يفسخ النكاح إلا أن يزيد الأجل إلى أكثر من العشرين.
وحكى عن ابن القاسم أنه يفسخه إلى الأربعين فما فوق، ثم حكى أنه إنما يفسخه إلى الخمسين والستين.
قال فضل بن سلمة: لأنهم قالوا: إن الأجل الطول مثل ما لو تزوجها إلى موت أو فراق.
قال عبد الملك: وقد أخبرني أصبغ أنه شهد ابن وهب وابن القاسم تذاكرا الأجل في ذلك، فقالب ابن وهب: رأيي فيه العشر فدون، وما جاوز ذلك فمفسوخ، فقال له ابن القاسم: وأنا معك على هذا. فأقام ابن وهب على رأيه، ورجع ابن القاسم فقال: لا أفسخه أنا إلى الأربعين، وأفسخه فيما فوق ذلك. قال أصبغ: وبه أخذ، ولا أحب ذلك بدءاً إلى العشر ونحوها، وقد شهدت أشهب زوج ابنته وجعل مؤخر مهرها إلى اثنتي عشرة سنة.
قال عبد الملك: وما قصر من الأجل فهو أفضل، وإن بعد لم أفسخه إلا أن يجاوز ما قال ابن القاسم، وإن كانت الأربعون في ذلك كثيراً جداً.
قال عبد الملك: وإن كان بعض الصداق مؤخراً إلى غير أجل، فإن مالكاً يفسخه قبل البناء، ويمضيه بعده.
وترد المرأة إلى صداق مثلها معجلاً كله، إلا أن يكون صداق مثلها أقل من المعجل فلا ينقص منه، أو أكثر من المعجل والمؤجل، فتوفي تمام ذلك، إلا أن يرضى الناكح بأن يجعل المؤخر معجلاً كله مع النقد منه، فيمضي النكاح، فلا يفسخ لا قبل البناء ولا بعده، ولا ترد المرأة إلى صداق مثلها، فإن كره الناكح أن يجعله معجلاً كله، ورضيت المرأة أن تسقط المؤخر، وتقتصر على النقد مضى النكاح، ولا كلام للناكح، هكذا أخبرني مطرف عن مالك.
وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ.
وقاله ابن القاسم، إلا في وجه واحد، إذا ردت المرأة بعد البناء إلى صداق مثلها، فوجد صداق مثلها أكثر من المعجل والمؤخر، فإن ابن القاسم قال: كما لا ينقص إذا قل صداق مثلها من مقدار المعجل، كذلك لا يزاد إذا ارتفع على مقدار المعجل والمؤخر. وأخذ به ابن عبد الحكم وأصبغ.
قال ابن الماجشون: ولو أصدقها ثلاث مائة دينار، مائة معجلة، ومائة مؤجلة إلى أجل مسمى، ومائة إلى ميسرته، ففات النكاح بالبناء فرددتها إلى صداق مثلها معجلاً، فكان مائة فقط، أو أدنى من مائة، أو خمسين ومائة. أو أكثر، إلى أن يبلغ مائتين لم أنقصها من مائتين المائة المعجلة التي قبضت، وأقر لها المائة المؤجلة إلى أجلها، وأسقط المائة إلى ميسرته.
ولو كان صداق مثلها أكثر من مائتين كان ما زاد على المائتين ثمناً للمائة الفاسدة فجعلناه لها مع المائة المعجلة، وأقرت المائة الآجلة إلى الأجل المسمى بحالها، ولا أجعلها حالة عليه، لأن الفساد لم يكن فيها، ولا من أجلها.
قال ابن الماجشون: وسواء في هذه المسألة كان المؤخر إلى غير أجل مؤقت، أو إلى موت، أو فراق، أو إلى ميسرته، أو إلى أن تطلبه المرأة، وهو ملي أو معدم، النكاح به مفسوخ قبل البناء، ومردود إلى صداق مثلها بعد البناء، إلا أن يرضى الزوج بتعجيله، أو ترضى المرأة بوضعه، فيجوز.
ولأنه إن كان إلى أن تطلبه المرأة أو إلى ميسرته وهو ملي، قد نحا به ناحية الأجل، قال: وكلمت به أصبغ فقال: كان ابن القاسم يجيزه إذا كان الزوج ملياً، ويراه حالاً، وليس يعجبني.
قال فضل بن سلمة: كان ابن القاسم يجعله مثل بيع التقاضي.
قال عبد الملك: وقولي فيه على قول ابن الماجشون، لأنه لما كان معه معجل، ويسمى الآخر إلى أن تطلبه المرأة، أو إلى ميسرته قد رمى به مرمى التأخير إلى غير أجل.
ولو شرط الخيار في الصداق كأحد عبدين صح إن كان الخيار لها، فإن كان له فسخ قبل البناء، وثبت بعده، وكان لها صداق المثل.
ولو قال: نكحتها بألف، على أن لأبيها ألفا صح، وكان الألفان للزوجة، وكذلك لو قال: نكحتها بألف على أن أعطي أباها ألفاً.
قال أشهب ولو تزوجها على أن يهب عبده لفلان، فذلك جائز، فإن طلق قبل البناء رجع بنصف العبد، فإن مات هذا الموهوب، رجع عليه بنصف قيمته.
وقال محمد: هو كالحباء الذي وهبته للأب، لا رجعة لها فيه، في طلاق ولا غيره، ولا أرى أن يضمنه الموهوب له في الموت إلا بتعد منه.

.المدرك الرابع: تفريق الصفقة:

فإذا أصدقها عبداً يساوي ألفين، على أن ترد له ألفاً، فنصف العبد مبيع، ونصفه صداق، وهما عقدان مختلفان، وفي جمعهما في صفقة واحدة خلاف، منعه مالك وابن القاسم في الكتاب، وعلل باختلاف حكم العقدين، وبالذريعة إلى إخلاء العقد من المهر، وأجازه عبد الملك في كتاب محمد إذا كان الباقي بعد ثمن المبيع ربع دينار فصاعداً بأمر لا يشك فيه. وكرهه في ثمانية أبي زيد، وأمضاه إذا نزل، وكان الثمن كثيراً، فيه فضل بائن عن ثمن المبيع.
وحكى القاضي أو محمد عن أشهب إجازته جملة من غير اعتبار بفضل كالسلعتين.
وقال مالك في المبسوط: يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده، ولها صداق المثل. ولو كانت السلعة من عند الولي لفسخ أيضاً، وكان من باب جمع السلعتين لرجلين، وسيأتي بيان الخلاف فيها إن شاء الله.
وكذلك لو تزوجا بدنانير مسماة على أن أعطاه الأب داراً، فأما لو تزوجها على غير صداق مسمى على أن أعطاه الأب داراً، لصح النكاح. وفرق بينهما أبو القاسم بن محرز بأن الدار هنا هبة خالية عن العوض، وفي الصورة الأولى كانت مقابلة لبعض الصداق. فأما الجمع بين نسوة في عقد واحد، فقد تقدم الكلام عليه.

.المدرك الخامس: أن يتضمن إثبات الصداق رفعه:

كما إذا قبل النكاح لبعده، وجعل رقبته صداقها، فيفسد، لأنه لو ثبت وملكت زوجها، لانفسخ النكاح قولاً واحداً، فيفسد الصداق ويفسد النكاح أيضاً لأنه قرن النكاح بالرق المضاد له لو ثبت، بخلاف ما لو أصدق خمراً.

.المدرك السادس: مخالفة الأمر فيما سمى:

فإذا قال لوكيله: زوجني بألف، فزوجه الوكيل بألفين، فإن كان على قول الزوج بينة، وعلى التزويج بينة، فإن لم يدخل فقيل له: إن رضيت بالألفين. وإلا فلا نكاح بينكما.
ولو قال الوكيل: أنا أتمم الألف ويصح النكاح. ففي إجبار الزوج على الرضا بذلك قولان.
ولو قالت المرأة: أنا أرضى بالألف، للزم الزوج ذلك. وإن كان وقع الدخول، فما الذي يلزم الزوج؟ في المذهب ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يلزمه ألف، ويلزم الرسول كمال الألفين.
والثاني: أنه يلزمه الألف أيضاً، لكن لا يلزم الرسول شيء.
والثالث: أنه يكون على الزوج صداق المثل، والزائد يكون على الرسول.
وإن لم يكن على التسمية من الزوج، ولا في العقد بينة، فأما قبل الدخول فيقال للزوج: إن رضيت بالألفين لزم النكاح. فإن لم يرض، قيل للزوجة: إن رضيت بالألف لزم. فإن لم ترض فلها أن تحلف الزوج، فإن نكل رد عليها اليمين، فحلفت، واستحقت الألفين وصح النكاح.
وأما إن وقع الدخول، فإن رضى كل واحد من الزوجين بما قال الآخر، كان الحكم ما اتفقا عليه، وإن أبيا، فإن أقر الوكيل بالتعدي لزمه الإتمام، وإن أنكره فللزوجة أن تحلف الزوج على أنه لم يأمر إلا بألف، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم ألفين. قالوا: وهذه يمين لا ترجع، لأنها يمين تهمة. قال بعض المتأخرين: وهذا ظاهر، إلا أن تدعي المرأة تحقيق ما قالت، فترجع اليمين.
قال: ويلتفت هذا على الخلاف فيمن سلط على ماله خطأ منه، هل تسقط الغرامة للتسليط، أم لا؟ لأن المرأة سلطت الزوج ها هنا خطأ منها، فمن لم يسقط الغرامة بالتسليط أوجب صداق المثل، ومن أسقطها لم يوجب سوى الألف.
فرع:
إذا نكل الزوج غرم، فهل له أن يحلف الرسول؟ فإن حلف برئ، وإلا غرم؟
في ذلك خلاف سببه، هل تكون يمين الزوج على تصحيح قول فقط، أو على تصحيحه وإبطال قول الرسول؟ فإن كانت على تصحيح قوله فقط فنكل، فإنه يعد مقراً، ولا يكون له أن يحلف الرسول، وإن كانت يمينه على تصحيح قوله وإبطال قول الرسول كان له أن يحلف الرسول.
قالوا: ويلتفت في هذا أيضاً إلى النكول، هل هو كالإقرار، فلا يكون له أن يحلف الرسول؟ أو يكون ليس كالإقرار فيحلف. فإن وقع الدخول، فليس على الزوج إلا الألف.
ثم إن أقر الرسول بالتعدي، فيختلف فيه، هل يغرم أم لا كما تقدم؟، وإن أنكره فإن قلنا: بأنه يغرم، فللزوجة أن تحلفه، فإن نكل حلفت واستحقت. وإن قلنا: إنه لا يغرم، فلا شيء للزوجة.
وإن كان على توكيل الزوج بالألف بينة، وليس على العقد بينة، فإن لم يقع دخول كان على المرأة اليمين: أن العقد كان بألفين، فإن حلفت قيل للزوج: ترضى بذلك وإلا فافسخ عن نفسك. وإن نكلت لزمها النكاح بألف، إلا أن يكون الزوج علم ما وقع به العقد، فاليمين ها هنا ترجع عليه. وإن كان على العقد بينة، وليس على قول الزوج بينة، فها هنا يحلف الزوج: أن التوكيل لم يكن إلا بما قاله، فإن حلف وكان ذلك قبل الدخول قيل للمرأة: إما أن ترضي بما قال، وإلا فافسخي عن نفسك. وإن نكل، فهي يمين لا ترجع إلا أن تدعي المرأة التحقيق فترجع.
وهل للزوج أن يحلف الوكيل إذا نكل الزوج؟ يجري على ما تقدم من القولين.
واختار محمد أنه لا يحلف له، فإن وقع الدخول، فكذلك يحلف الزوج، فإن حلف مضى النكاح بألف، وإن نكل، فهل له أن يحلف المرأة وتلزمه ألفان؟. أما إن كانت المرأة تدعي تحقيق الدعوى عليه، فإنها تحلف، وإن لم تتحقق فاليمين لا ترجع.
ويختلف هل للزوج أن يحلف الوكيل أم لا؟، على ما تقدم. هذا إذا لم يعلم واحد من الزوجين بالتعدي، فإن وجد العلم، فله ثلاث حالات:
الأولى: أن يعلم الزوج بالتعدي ولا تعلم المرأة به، فتكون عليه ألفان.
الحالة الثانية: أن تعلم هي دونه، فلا يكون لها إلا الألف.
الحالة الثالثة: أن يعلما جميعاً، وفيها صور:
الأولى: أن يعلم كل واحد منهما بعلم الآخر، فإذا علما وعلم كل واحد منهما بعلم الآخر فعلى الزوج الألفان.
الصورة الثانية: أن يعلما ولا يعلم أحد منهما بعلم الآخر، فها هنا الروايات على أن لها الألفين.
قال المتأخرون: وهذا فيه نظر، لأنه متى قلنا: إن الزوج قد علم، وقد دخل على الألفين، ففي مقابلته أن الزوجة قد علمت، وقد دخلت على ألف واحد. قال: وينبغي أن يكون لها ألف، وتقسم الألف الأخرى فيحط نصفها، ويكون على الزوج نصفها.
الصورة الثالثة: أن يعلم الزوج بعلم المرأة، ولم تعلم هي بعلمه، فيكون لها ها هنا ألف، لأنها على ذلك دخلت، وعليه دخل الزوج أيضاً.
الصورة الرابعة: أن تعلم المرأة بعلم الزوج، ولم يعلم هو بعلمها، فتكون عليه ها هنا ألفان، لأنهما على ذلك دخلا.
وأصل هذا جميعه أن يلزم كل واحد منهما ما دخل عليه.
وإذا قالت المرأة لوليها: زوجني، ولم تعين مهراً، فزوج بأقل من مهر المثل لم يلزمها العقد. بخلاف ما إذا زوج الأب من ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل، أو من ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها، فإن ذلك جائز إذا كان نظرا لهما.
فرع:
إذا تواطأ أولياء الزوجين على ذكر ألفين في العقد ظاهراً، وعلى الاكتفاء بألف باطناً، فالواجب مهر السر، ويكون النكاح به. فإن ادعت الزوجة الرجوع عنه إلى العلانية فإن كان في السر بيان أن العلانية لا أصل لها ولكن المعول على ما أسرا فلا يمين على الزوج، وإن لم يكن في العلانية ذلك ثبتت اليمين.

.الباب الثالث: في التفويض:

ونعني بالتفويض إخلاء عقد النكاح من تسمية المهر أو التصريح بالتفويض، فيقول: أنكحتك وليتي على التفويض. أو مع الإبهام بأن يذكر التزويج، ولا يذكروا المهر. والنكاح صحيح في الوجهين.
فأما لو صرحوا باشتراط إسقاط المهر لما جاز، ويفسخ النكاح قبل الدخول. واختلف قول ابن القاسم في فسخه بعده.
ثم المفوضة تستحق مهر المثل بالوطء وبالفرض، ولا تستحق بالعقد، ولا يجب بالموت على المعروف من المذهب. وحكى أبو محمد عبد الحميد قولاً شاذاً بالوجوب.
ولا تستحق التشطير عند الطلاق إلا إذا جرى الفرض بعد العقد. ومعنى الفرض تعيين الصداق وتقديره، فكان الواجب بالمسيس المنتظر مهر المثل، أو ما يتراضى به الزوجان أحدهما لا بعينه، ولو تراضوا بدون مهر المثل جاز على الثيب الرشيدة برضاها. وأما السفيهة فإن كانت غير مولى عليها، ففي جوازه عليها برضاها قولان. وإن كانت مولى عليها فإن كان الفرض قبل الدخول، وهو من حسن النظر، صح رضا الولي به. وإن كان بعد الدخول فهل يصح رضا الولي بدون صداق المثل أم لا؟ ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث، فيصحح في حق الأب دون غيره لأنه أكمل شفقة.
وللمرأة طلب الفرض لتقرير التشطير، أو لتعرف ما سيجب بالمسيس، ولها حبس نفسها للفرض لا لتسليم المفروض.
قال في الواضحة: إذا طلبت قبل البناء أخذ النقد، وأبى الزوج ذلك إلا عند البناء، فذلك للزوج، إلا أن تشاء هي تعجيل البناء، فلها قبضه.
وقال القاضي أبو الحسن: الذي يقوى في نفسي أن الصداق يوقف، ولا تأخذه المرأة حتى تمكن من نفسها.
لا يتعين مهر المثل عند الفرض، لكن إن بذله الزوج لزم الزوجة قبوله. ويجوز إثبات الأجل في المفروض ويجوز إثبات زيادة على مهر المثل، كان المفروض من جنسه، أو من غير جنسه. ويجوز عرض يساوي أضعاف مهر المثل، ولو أبرأت قبل الفرض لخرج على الإبراء، عن ما لم يجب وجرى سبب وجوبه. ولو فرض لها خمراً ألغي الفرض، ولم يؤثر في التشطير.
ومعنى مهر المثل: القدر الذي يرغب به مثله فيها والأصل فيه اعتبار أربع صفات: الدين والجمال والحسب والمال. ومن شرط التساوي مع ذلك الأزمنة والبلاد، إلا أن تكون لهم عادة مستمرة في تعيين المهر، فيصار إليها.
وفي كتاب محمد: يعتبر شبابها وجمالها في زمنها، ورغبة الناس فيها. وينظر في الزوج، فإن زوجوه إرادة صلته ومقاربته خفف عنه، وإن كان على غير ذلك كمل لها صداق المثل.
والوطء في النكاح الفاسد يوجب مهر المثل باعتبار يوم الوطء، لا يوم العقد. وإذا اتحدت الشبهة اتحد المهر، وإن وطئ مراراً، وإذا لم تكن شبهة كوطئها الزاني المكره، وجب بكل وطء مهر.
وفي معنى التفويض التحكيم، فلو قال: تزوجتك على حكمي، أو على حكمك، أو على حكم فلان، جاز، ثم إن وقع الرضا بالحكم فيه، وإلا فسخ، ولا شيء لها، فإن فرض لها الزوج صداق المثل لزمها النكاح وإن كان قبل البناء كالتفويض.
قال عبد الحق: وهذا مجمع عليه في كل ما ذكرناه، وإلا في قولهم: قد أنكحناك على حكمها، فابن القاسم يراه مثل السكوت أو تحكيمه، أو تحكيم الولي.
وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
وقال أشهب وعبد الملك: إن لم يرض بما حكمت به، لم يلزمها الرضا بصداق مثلها إن فرضه لها ما لم يبن بها. وبه يقول ابن حبيب. قال فضل بن سلمة: ابن الماجشون في ديوانه يجعله نكاحاً فاسداً.
وقال ابن المواز: قال عبد الملك: أما على حكمها، فالنكاح يفسخ ما لم يدخل، وأما على حكمه، فهو التفويض الجائز.
قال بعض المتأخرين: إذا تزوجها على حكم فلان، فمعنى قوله: إذا رضي الزوج بذلك، إنما يريد أن فلاناً حكم بزائد على صداق المثل. أما لو اقتصر عليه للزمه، ولم يكن له فيه خيار.
ونقل عبد الحق وعبد الحميد عن الشيخ أبي محمد وغيره من الشيوخ إنهم قالوا: إذا تزوجها على حكمها، ففرضت صداق المثل، لم يلزم ذلك الزوج، إلا أن يرضى، بخلاف الزوج يفرض لها صداق المثل، قال وهذا كواهب السلعة للثواب، يلزمه أخذ القيمة، ولا تلزم الموهوب القيمة.

.الباب الرابع: في التشطير:

وفيه فصول:

.الفصل الأول: في حله، وحكمه:

فنقول: اختيار الزوج لإيقاع الطلاق قبل المسيس يوجب تشطير الصداق الثابت بتسمية مقرونة بالعقد صحيحة، أو بفرض صحيح بعد العقد في المفوضة، ويستوي فيه عدد الموقع من الطلاق.
وإنما يسقط جميع المهر قبل المسيس بالفسخ، أو باختياره ردها لعيبها، وفي اختيارها لرده بعيبه خلاف، لأنه غار، ولا صداق لها فيما سوى ذلك. هذا عقد الباب، وفي تفصيل الفروع خلاف يأتي عند ذكرها في أبوابها إن شاء الله.
ومعنى التشطير: أن يرجع الملك في شطر الصداق إلى الزوج بمجرد الطلاق، أو يبقى عليه على الخلاف المتقدم.
ثم في معنى الصداق في التشطير كل ما نحله الزوج للمرأة أو لأبيها أو لوصيها الذي يتولى العقد، في العقد أو قبله، لأجله، إذ هو للزوجة إن شاءت أخذته ممن جعل له.
فرع:
لو تلف الصداق في يد أحدهما، ثم وقع الطلاق قبل البناء، فالحكم أن ما لا يغاب عليه منهما جميعاً وما يغاب عليه ولا يعرف بعينه ممن هو في يده إن لم تقم بهلاكه بينة، وإن قامت بهلاكه بينة، ففي إثبات الضمان صاحب اليد ونفيه خلاف بين أصبغ ومحمد.
وما أنفق على الثمرة من سقي وعلاج فعليهما. وكذلك ما أنفق على العبد.
وقيل: لا يرجع من أنفق على العبد بشيء.
وقال محمد: إن كان له غلة فنفقته منها، وإن لم تكن له غلة فلا رجوع لها على الزوج بشيء.

.الفصل الثاني: في التغيرات قبل الطلاق:

وسواء كان ذلك بزيادة محضة، أو نقصان محض، أو زيادة من وجه، أو نقصان من وجه، فالزيادة لهما، والنقصان عليهما.
وقيل: بل للمرأة وعليها، وهو على الخلاف في استقرار ملكها بالعقد على الكل وعدم استقراره.

.الفصل الثالث: في التصرفات المانعة من الرجوع:

وكل تصرف أزال الملك بجهة لازمة كالبيع والهبة والعتق والتدبير، فهو مانع من الرد.
ثم تتعين القيمة في الهبة والعتق والتدبير، ونصف الثمن في البيع.
وإن جنى العبد خيرت، فإن فدته لم يأخذ نصفه إن طلق، إلا بدفع نصف ما فدته به. قال الشيخ أبو محمد: إلا أن تعطى أكثر من الأرش.
هذا في غير العين. فإن كان عيناً، اعتبر ما اشترت به، فإن كان خادماً، أو طيباً، أو شورة، أو غير ذلك مما هو لجهازها، فهو بمنزلة عين ما أصدقها، ونماؤه ونقصانه بينهما، فإذا طلقها قبل البناء، فليس له عليها إلا نصفه لا غير. وإن اشترت به غير الجهاز من دار أو عبد وشبه ذلك فله عليها نصف ما قبضت منه، لا نصف المشتري، إلا أن يكون الشراء من الزوج.
قال القاضي أبو الحسن: هذا إذا كان على وجه التخفيف عنه، وإلا فهو كالأجنبي.

.الفصل الرابع: في هبة الصداق:

وإذا وهبت له جميع صداقها، ثم طلقها قبل البناء، لم يرجع عليها بشيء، وكأنها عجلت إليه بالصداق. ولأنها لما لم يستقر ملكها عليه العقد على المشهور، وانكشف الآن أنها إنما تملك منه النصف، وافقت هبتها ملكها وملكه، فنفذت في ملكها دون ملكه.
ولو وهبت منه نصف الصداق، ثم طلقها، فله الربع. وكذلك إن وهبته أكثر من النصف أو أقل، فله نصف ما بقي لها بعد الهبة.
ولو وهبته لأجنبي فقبضه، مضى له، ويرجع الزوج على الزوجة بالنصف، وهل ترجع به الزوجة على الموهوب له؟ كواهب السلعة تستحق من يد الموهوب، فإنها تؤخذ من يده، ولا يرجع على الواهب بشيء، لأن الغيب كشف له أنه وهب ما لم يملكه، أو لا ترجع بشيء لأنها وهبت ما عملت أنه معرض للارتجاع منها بوقوع الطلاق عليها قبل البناء، وأن الزوج يطلبها بما أفاتت وأتلفت، عليه نصفه، وقد كان حال تصرفها فيه ملكاً لها، فلا يكون لها عليه رجوع فيه، كما ليس لها نقص البيع لو باعته، ثم طلبها به الزوج. وإن لم يقبضه الموهوب له حتى وقع الطلاق، أجبرت على الإقباض إن كانت موسرة يوم الطلاق، ولم تجبر إن كانت معسرة يوم الهبة ويوم الطلاق. فإن كانت موسرة يوم الهبة، ومعسرة يوم الطلاق، فقال ابن القاسم: أنها لا تجبر.
وقال غيره في الكتاب: تجبر. وهو على الخلاف في ملك الصداق، هل هو غير مستقر؟ فينظر إلى حالها يوم وجب الرجوع، أعني يوم الطلاق. أو هو مستقر فينظر إلى حالها يوم الهبة. وعلى ذلك الخلاف فيما أحدثته في الصداق من عتق أو بيع أو نحو ذلك من وجوه إفاتته، هل تضمن قيمته يوم قبضه أو يوم إفاتته؟ وهو المشهور، فمن رأى ملكها غير مستقر جعل القيمة يوم الإفاتة، ومن رآه مستقراً جعلها يوم القبض.
ولو اختلعت قبل المسيس بعشرة من صداقها، كان لها نصف ما بقي منه.
ولو خالعته على عشرة مطلقاً، لزمتها، وبقي نصف الصداق. ولو بارأته على المتاركة، أو خالعته على أن أعطته عبداً أو مالاً، لم يبق لها طلبة بنصف الصداق، وترده إن كانت قبضته.
وقال أصبغ: إن قبضته فلا ترده، إلا أن يشترط عليها رده.

.الفصل الخامس: في المتعة:

وهي مستحبة، ومشروعيتها لجبر قلب المرأة من فجيعة الطلاق. فيؤمر بها لكل امرأة اختار الزوج طلاقها، ولا اختيار لها فيه، ما لم تطلق قبل الدخول وقد فرض لها.
ولا متعة إن كان الطلاق بسببها، أو كان الفراق جبراً. ولو كان مبدؤه من الزوج، وتمامه من المرأة، كالمخيرة، لم تكن لها متعة. وروي: لها المتعة، وهي شاذة. ولا متعة للرجعة إن ارتجعت، فإن وقعت البينونة ثبتت المتعة. قال فضل بن سلمة: وهذا يقتضي أنها لا تمنع إلا بعد كمال العدة. ولو كان الطلاق بائناً فردها الزوج فلها المتعة على المنصوص.
واستقرأ أبو الحسن اللخمي نفي المتعة من إطلاقات وقعت في الرواية. ثم حيث خوطب الزوج بها، فمقدارها موكول إلى اختياره، والمستحب أن يكون ذلك على قدر حاله من عسره ويسره.

.الباب الخامس: في التنازع.

وفيه مسائل:

.(المسألة) الأولى: إذا تنازعا في قدر المهر، أو صفته، مع بقاء الزوجية بينهما:

وذلك يقع قبل البناء وبعده. فإن كان قبله تحالفا وتفاسخا، كما في البيع، وبدئت المرأة باليمين كالبائع في المشهور.
قال بعض المتأخرين: ويجري فيه ما يجري في البيع من الخلاف في الرجوع إلى قول مدعي الأشبه، وفي انفساخ النكاح بتمام التحالف، وفي الرجوع إلى قول المرأة إذا نكلا جميعاً، كما في البيع.
وإذا كان التنازع بعد الدخول، فالقول قول الزوج، إذا الدخول كالفوت في البيع.
قال: وقد يجري فيه قول أشهب بالتحالف بعد الفوت، على القول الشاذ بأن صداق المثل فيه كالقيمة المقدرة في السلع. ثم قال: وهو على الحقيقة تركيب خلاف على خلاف.
وقال ابن حبيب: إن اختلفا في نوع الصداق بعد الدخول، كان مما يصدقه، أو مما لا يصدقه، تحالفا وردت إلى صداق مثلها بالعين، إلا أن يرضى الزوج أن يعطيها ما ادعت البالغة الرشيدة، أو ادعاه أبو البكر.
وإن وقع التنازع بعد انفصال العصمة بطلاق أو فسخ أو موت، فالقول قول الزوج مع يمينه، لأنه مدعى عليه.
ولو ادعت التسمية، فأنكر الزوج أصل التسمية، فالقول قوله، إلا أن تكون العادة خلاف قوله.

.المسألة الثانية: إذا تنازع أبو البكر والزوج في مقدار المهر:

تحالفاً، لأنه كوكيل مفوض إليه، فهو وليها دونها، ولم يكن لها فيه رأي ولا أمر.

.الثالثة: لو ادعت ألفين في عقدين جريا في يومين:

وأقامت البينة عليهما لزما، وقدرنا تحلل طلاق، ثم هل يقدر بعد المسيس ويكون على الزوج أن يبين جريان سقوط النصف بإظهار الطلاق قبله، أو يقدر قبله، وعلى المرأة أن تبين وقوعه ليستقر لها ملك الكل؟ وفي ذلك خلاف، سببه هل المستقر بالعقد الكل أو النصف؟

.الرابعة: إذا كان في ملك الزوج أبو الزوجة وأمها:

فقال: أصدقتك أمك، فقالت: بل أبي، تحالفا وفسخ النكاح، قبل الدخول وتعتق الأم بإقراره وإن كان دخل بها حلف أيضاً وعتقت عليه الأم بإقراره فإن نكل حلفت المرأة وعتق الأب بقولها، وعتقت عليه الأم بإقراره، وإن نكلا قبل البناء، كان كما إذا حلفا.

.الخامسة: إذا اختلف في قبض معجل الصداق:

فإن استقرت عادة صير إليها، وإن لم تكن فالقول قولها، إلا أن تكون مدخولاً بها، فالنص أنه تقبل دعواها، إلا فيما لم يحل منه.
لكن اختلف الأصحاب في تنزيله.
فقال القاضي أبو إسحاق: إنما ذلك في بلد عرفه تعجيل النقد عند البناء. فأما بلد لا عرفه فيه بذلك، فالقول قول الزوجة. قال القاضي أبو الحسن: وينبغي أن يكون هذا هو الصحيح.
وقال القاضي أبو محمد: إنما ذلك إذا لم يثبت ذلك في صداق ولا كتاب. وأما إن ثبت في صداق أو كتاب، فلا يكون القول قول الزوج بالبناء.
وقال القاضي أبو الوليد: إنما ذلك مبني على أن العادة جارية في معظم البلاد بل في جميعها أن معجل الصداق لا يتأخر قبضه عن البناء. قال: وهذا أظهر مما تقدم.

.باب: الوليمة والنثر:

الوليمة: هي مأدبة العرس، ومحلها بعد البناء، وهي مأمور بها. قال القاضي أبو الوليد: نص مالك رحمه الله وأكثر العلماء على وجوب إتيان طعام الوليمة لمن دعي إليها. قال: وصفة الدعوة التي تجب لها الإجابة، أن يلقى صاحب العرس الرجل فيدعوه أو يقول لغيره: أدع لي فلاناً، فيعينه. فإن قال له: ادع لي من لقيت، فلا بأس على من دعي بمثل هذا أن يتخلف. قال: وهل يلزم الأكل من لزمته الإجابة؟، لم أر لأصحابنا فيها نصاً جلياً. وفي المذهب مسائل تقتضي القولين.
وقال القاضي أبو الحسن: مذهبنا أن الوليمة غير واجبة، والإجابة إليها غير واجبة، ولكن تستحب.
ثم إنما يؤمر بالإجابة على القولين جميعاً، إذا لم يكن في الدعوة منكر ولا فرش حرير، ولا في الجمع من يتأذى بحضوره ومجالسته من السفلة والأراذل الذين تزري به مجالستهم، ولا زحام، ولا غلق باب دونه. فقد روى ابن القاسم: هو في سعة إذا تخلف لأجل ذلك.
وكذلك إن كان على جدران الدار صور أو ساتر. ولا بأس بصور الأشجار.
فإن كان هناك لعب ولهو، وكان خفيفاً مباحاً غير مكروه لم يرجع وحضره. وروى ابن وهب: لا ينبغي لذي الهيئة أن يحضر موضعاً فيه لهو. قال القاضي أبو بكر: والحق هو الأول.
فأما لهو غير مباح كالعود والطنبور والمزهر المربع، فلا تجاب الدعوة معه. ومن أتاها فوجد اللهو المحظور فليرجع. ولا تترك إجابة الدعوة بعذر الصوم، بل يحضر ويمسك.
ويكره نثر السكر واللوز وشبهه.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً.

.كتاب القسم والنشوز:

وفيه فصول:

.(الفصل) الأول: فيمن تستحق القسم:

ولا يجب على من له زوجة واحدة أن يبيت عندها، لكن يستحب ذلك لتحصينها.
ولا يجب القسم بين المستولدات وبين الإماء، ولا بينهن وبين المنكوحات، إلا أن الأولى العدل وكف الأذى. ومن له منكوحات يجب عليه العدل بينهن.
وتستحق المريضة والرتقاء والحائض والنفساء والمحرمة، والتي آلى عنها زوجها أو ظاهر، وكل من لها عذر شرعي أو طبيعي، من القسم ما يستحقه غيرها، لأن المقصود الأنس والسكن.
أما المباشرة فلا تستحق، ولا حرج عليه إن نشط للجماع في يوم واحدة دون أخرى، إلا أن يفعل لضرر مثل أن يكف عن هذه لوجود لذته في الأخرى، فلا يحل له ذلك. ويجب القسم على كل زوج مكلف، وعلى ولي المجنون أن يطوف به على نسائه.

.الفصل الثاني: في مكان القسم وزمانه:

أما المكان، فلا يجوز أن يجمع بين ضرتين في مكان واحد إلا برضاهن، وليفرد كل واحدة بمسكنها، ولا له أن يستدعيهن إلى بيته على التناوب إلا برضاهن، وليأتهن في بيوتهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الزمان فقال في كتاب محمد: له أن يبدأ بالليل قبل النهار، وبالنهار قبل الليل.
قال القاضي أبو الوليد: لأن الذي عليه أن يكمل لكل واحدة يوماً وليلة، وهو المخير في البداية بأيهما شاء. ثم قال: على أن الأظهر من أقوال أصحابنا أن يبدأ بالليل.
ولا يحل له أن يدخل في يومها على ضرتها ليقيم عندها، وله أن يأتي عائداً أو لحاجة، أو يضع ثيابه عندها إذا كان ذلك على غير ميل ولا ضرر. وقيل: لا يدخل إلا لعذر لابد منه، من اقتضاء دين أو تجارة أو علاج.
وقال ابن الماجشون: لا بأس أن يقف ببابها ويسلم من غير أن يدخل. ولا بأس أن يتوضأ، أو يشرب من ماء زوجته في غير يومها، ويأكل مما بعثت به إليه من غير تعمد ميل، ولا يكلف الوقاع، لأنه لا يدخل تحت الاختيار.
وأما المقدار من الزمان فليلة، ولا ينصف الليلة، ولا يزيد عليها، إلا أن يرضين ويرضى بالزيادة، أو يكن في بلاد متباعدة، فيقسم الجمعة أو الشهر على حسب ما يمكنه، بحيث لا يناله ضرر لقلة المدة.

.الفصل الثالث: في التفاضل:

وله سببان:
الأول: تجدد النكاح. فإذا استجد نكاح بكر بات عندها سبعاً، وإن استجد نكاح ثيب بات عندها ثلاثاًَ. وتستوي في ذلك الحرة والأمة، لأنه للألف، والطبع لا يتغير بالرق.
ثم لا يقضي الباقيات هذه المدة، بل يستأنف القسم بعد ذلك، وهل هو حق للجديدة أو للزوج؟، على اختلاف الروايتين. وقيل: هو حق لهما.
ثم في وجوبه واستحبابه، روايتان لابن القاسم وابن عبد الحكم. وإذا فرعنا على أنه حق لها أو لهما، فهل يقضي لها به عليه أم لا؟ قال أصبغ في كتاب محمد: لا يقضي عليه.
قال القاضي أبو بكر: والصحيح أنه يقضي عليه به. قال القاضي أبو الفرج عن ابن عبد الحكم: إن ذلك على الزوج وإن لم تكن عنده امرأة سواها.
قال القاضي أبو بكر: وهذا لا معنى له، ولا يتصور، فلا يلتفت إليه كما قال ابن حبيب.
فرع:
لو بات عند الثيب ثلاثاً، فالتمست زيادة، لم يزدها، بل يستأنف القسم.
وقال القاضي أبو الحسن: يكمل لها سبعاً إن اختارت التسبيع، ثم يقضي لسائر نسائه سبعاً سبعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم وقد التمست أم سلمة ذلك: إن شئت سبعت عندك، وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت عليهن. فكأن اقتراحها الزيادة عنده يبطل حقها من الثلاث.
وروى محمد: أن الزوج لا يخبر الزوجة بحال، وإنما يكون لها الثلاث.
السبب الثاني: الحرية على إحدى الروايتين: يكون للحرة ثلثا القسم، وللأمة ثلثه. فلها ليلتان، للأمة ليلة. والرواية المشهورة التسوية بينهما كالحرتين.
وروى أبو زيد عن عبد الملك بن الماجشون: أن مالكاً رجع على التفاضل، وأخذ بذلك عبد الملك في نفسه.
وإذا فرعنا على التفاضل، فبدأ بالحرة فعتقت الأمة في ليلتها، أو قبل انقضاء ليلة الأمة، التحقت بالحرة الأصلية، واستحقت تمام الليلتين. وإن عتقت بعد تمام ليلتها اقتصرت على ما مضى، وسوى بينهما بعد ذلك.
ولو بدأ بها فعتقت قبل تمام نوبتها صارت كالحرة الأصلية، فإن عتقت بعد تمام نوبتها وجب توفية الحرة ليلتين، ثم يسوي بعد ذلك كله.
ومهما ظلم في القسم، وأضاع على إحداهن يومها، ولم يعطه لضرتها، فلا قضاء، ويستأنف القسم. وكذلك إن أقامه عند غيرها على المنصوص.
وأوجب أبو الحسن اللخمي القضاء استقراء من السليمانية، إذ قال فيمن له أربع نسوة فأقام عند إحداهن شهرين، ثم أراد المحاسبة، فقالت من أقام عندها: ابتدئ، فحلف: لا وطئها ستة أشهر حتى يوفي الباقيات حسابهن: ليس بمول، لأنه لم يقصد الضرر، وإنما قصد العدل. قال: فأجاز المحاسبة.
قال الشيخ أبو الطاهر: وهذا الذي يحتمل أن يكون مراده، ويحتمل أن لا يريد ذلك، بل يريد أنه يبتدئ، لكن لا يكون مولياً حتى يقصد الضرر، وهذا لم يقصده.
ولو غاضب إحداهن فصرفته، فهل له أن يبيت عند البواقي؟ فيه خلاف:
وإذا وهبت المرأة يومها من ضرتها، فللزوج أن يمتنع من القبول، فإن قبل فليس للموهوبة الامتناع.
وإن وهبت من الزوج نفسه، فليس له أن يخص واحدة، بل الواهبة كالمعدومة، ثم لها الرجوع متى شاءت. وما فات قبل بلوغ خبر الرجوع فلا يقضي.

.الفصل الرابع: في المسافرة بهن:

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هم بسفر أقرع بين نسائه رضي الله عنهم، فاستصحب واحدة حتى إذا عاد دار عليهن من غير قضاء.
واختلفت الرواية عن مالك، فروى عنه ابن عبد الحكم وجوب القرعة أخذاً بهذا الخبر.
وروى تفويض الأمر إلى خبرته، وهي اختيار ابن القاسم، وعلل ذلك باختلاف أحوالهن، فمنهن من مصلحته ومصلحتها في إبقائها لثقل جسمها، وكثرة عائلتها، وحفظها لأمواله، ومنهن الخفيفة القليلة العيال، القليلة العناء، لو بقيت خلفه، إلا أن يستوين في جميع ذلك، فيقرع بينهن، وبهذا يعتذر القائل بهذه الرواية عن الحديث المتقدم، ويحملهن على استواء الحال فيما ذكر.
وقيل: يقرع بينهن في الحج والغزو دون غيرهما من سفر التجارة وغيرها.

.الفصل الخامس: في الشقاق:

وله ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون النشوز منها فيعظها، فإن هي قبلت، وإلا هجرها، فإن هي قبلت، وإلا ضربها ضرباً غير مخوف. فإن غلب على ظنه أنها لا تترك النشوز إلا بضرب مخوف لم يجز تعزيرها أصلاً.
الحالة الثانية: أن يكون العدوان منه بالضرب والإيذاء، فيزجر عن ذلك، ويجبر على العود إلى العدل.
الحالة الثالثة: أن يشكل الأمر، وقد ساء ما بينهما، وتفاقم أمرهما، وتكررت وشكواهما، ولا بينة مع واحد منهما، ولم يقدر على الإصلاح بينهما، فيبعث من جهة الحاكم أو من جهة الزوجين، أو من يلي عليهما حكمان لينظرا في أمرهما. ومن شرطهما أن يكونا عدلين فقيهين، والأكمل أن يكون حكم من أهله، وحكم من أهلها، فإن لم يكن لهما أهل، أو كان، ولم يكن فيهم من يصلح لذلك لعدم العدالة، أو لغير ذلك من المعاني، فإن الحاكم يختار حكمين عدلين من المسلمين لهما، أو عدلاً لأحدهما إن كان التعذر مختصاً به. ويستحب أن يكونا جارين. ثم المبعوثان حكمان لا وكيلان، وإن كان البعث من جهة الزوجين، ألا ترى أن للزوجة دخولاً في التحكيم، ولا مدخل لها في تمليك الطلاق. وقيل: بل هما وكيلان.
وإذا فرعنا على الأول، فينفذ تصرفهما في التطليق والخلع إن رأياه، لعجزهما عن الإصلاح من غير افتقار إلى إذن الزوج، ولا إلى موافقة حكم حاكم البلد.
والذي عليهما أن ينظرا، فإن قدرا على الإصلاح أصلحا، وإن لم يقدرا نظرا، فإن رأيا الإساءة من قبل الزوج فرقا بينهما، وإن كانت من قبل الزوج ائتمناه عليها، وإن رأيا صلاحاً أن يأخذا له منها شيئاً، ويطلقاها عليه فعلاً. وإن كانت منهما فرقا بينهما على بعض ما أصدقها، ولا يستوعبانه له وعنده بعض الظلم.
فرع:
لو كان الحكمان مستجرحين، وعلم القاضي بذلك، لم ينفذ حكمهما، وفي نفوذه إذا لم يعلم خلاف. وكذلك لو كانا عبدين، والمنصوص ها هنا أنه لا ينفذ. ولو تراضى بهما الزوجان وهما مستجرحان لم يمض حكمهما. وقيل: يمضي.
قال بعض المتأخرين: والخلاف في أكثر هذه المسائل ينبئ على تردد حكمهما بين التحكيم والتوكيل.
ثم إذا حكما بالفراق مضى فعلهما، وكانت طلقة بائنة، وكذلك لو قالا: فرقنا أو طلقنا، أو حكمنا بالفراق أو الطلاق، فإن حكما بأكثر من واحدة، أو بثلاث، أو حكما بلفظة البتة، أو خلية أو برية، ونوى بها الحكمان ثلاثاً، لم يلزم في ذلك كله إلا واحدة فقط، دخل بها أو لم يدخل، لأن ما زاد على واحدة خارج عن معنى الإصلاح. وقيل: ينفذ ما حكما به.
ولو اختلفا، فحكم أحدهما بالطلاق، والآخر بالبقاء، أو حكم أحدهما على مال. والآخر على غير مال لم يلزم شيء إلا باجتماعهما؛ إلا أن ترضى الزوجة بالمال الذي قال أحدهما، وقد اجتمعا على الفراق فيلزم.
ولو اتفقا على إيقاع الطلاق، واختلفا في العدد، فأوقع أحدهما واحدة، وأوقع الآخر الثلاث أو البتة، وقعت الواحدة فقط، لاتفاقهما عليها. وقيل: لا يقع شيء أصلاً لاختلافهما.
وقيل: تمضي الواحدة إن حكم معها بالثلاث. فأما إن حكم بالبتة، فلا يمضي الحكم بشيء أصلاً. وهذا القول مبني على أن أبعاض الجمل كنوع آخر، وهو أصل نختلف فيه، وعليه يخرج حكم مطلق البتة إذا استثنى منها.
بسم الله الرحمن الرحيم

.كتاب الخلع:

وفيه أبواب:

.الباب الأول: في حقيقته:

وهو عبارة عن خلع العصمة بعوض من الزوجة أو غيرها.
وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في أثره:

وهو الطلاق، فتقع طلقة بائنة.
فرعان: الأول: لو وقع التنصيص على أنها رجعية مع وجود البدل، فهل تمضي كذلك مراعاة للقصد ولما دخلا عليه؟، أو ترجع إلى الأصل؟ روايتان. والرجوع إلى الأصل مذهب الكتاب.
وسبب الخلاف معارضة البدل للشرط.
الفرع الثاني:
عكسه، وهو أن يعرى الطلاق من العوض، ويقصد البينونة، فحكى القاضي أبو محمد أن الطلاق يكون بائناً عند مالك، ورجعياً عند أشهب.
وقد روي فيمن قال: أخالعك على أن أعطيك مائة درهم، فقبلت، كانت بائنة، لا يملك رجعتها.
وكذلك لو لم يعطها الزوج شيئاً، فخالعها، فهي بذلك أيضاً بائن، وفي الكتاب أنه سئل عن المطلق طلاق الخلع، أواحدة بائنة، أم واحدة وله الرجعة؟ فقال: لا، بل البتة، لأنه لا تكون واحدة بائنة أبداً إلا بخلع، وصار كمن قال لزوجته التي دخل بها: أنت طالقة طلاق الخلع. ومن قال ذلك، فقد أدخل نفسه في الطلاق البائن. ولا يقع في الطلاق بائن إلا بخل، أو يبلغ به الأقصى، وهي البتة.
ثم عقب هذا في الكتاب بذكر اختلاف رواية ابن وهب عن مالك فيمن طلق وأعطى، أنها رجعية، أو بائن.
قال أبو بكر بن عبد الرحمن: صحيح المسألة خالع وأعطى. وكذلك ذكرها محمد عن الحرث عن ابن وهب عن مالك.
وقال عبد الحق: الاختلاف الذي ذكر إنما هو في كتاب ابن وهب، فيمن صالح وأعطى وليس فيمن طلق وأعطى. وكذلك أيضاًَ في كتاب ابن المواز. قال: هذا هو الصحيح. إذ من طلق وأعطى لا خلاف أن الرجعة له، لأنه إنما وهبها هبة وطلقها، فليس هذا من الخلع في شيء.
وقد نقل بعض المتأخرين فيمن طلق وأعطى إذا قصد بذلك طلاق الخلع ثلاثة أقوال: واحدة رجعية، واحدة بائنة، وثلاث.
ثم قال: والأقوال الثلاثة جارية فيمن قال: أنت طالق طلاق الخلع.
فرع:
قال ابن القاسم في العتبية: قال مالك فيمن طلق امرأتة واحدة، فأعطته مالاً في العدة على أنه لا رجعة له عليها، قال: أراه خلعاً، وتلزمه طلقة بائنة.
وقال عيسى عن ابن القاسم مثله.
وقال: على أن لا يراجعها، قال: وتبني على عدتها. وروى عبد الملك بن الحسن عن أشهب أنه قال: إن شاء راجعها ورد إليها المال.
وفي كتاب محمد روى عبد الرحمن بن أبي جعفر الدمياطي عن ابن وهب أنه قال: لا يلزمه غير الطلقة الأولى، ولا رجعة له عليها.